نسمع دائماً بعض الاعلام ومجموعة من السياسين تقول أن حاكم مصرف لبنان موظف وأن الدولة هي من استدان من المصارف ولذلك ينبغي على الدولة التعويض على المصارف!. مسار الأزمة الاقتصادية ومآلاتها المالية والنقدية توجب علينا التصويب والتذكير بخطورة هكذا مقولات.
ليس موظفاً ولا مغلوباً على أمره
نسمع دائماً بعض الاعلام ومجموعة من السياسين تقول أن حاكم مصرف لبنان موظف وأن الدولة هي من استدان من المصارف ولذلك ينبغي على الدولة التعويض على المصارف!.
مسار الأزمة الاقتصادية ومآلاتها المالية والنقدية توجب علينا التصويب والتذكير بخطورة هكذا مقولات. المصارف اللبنانية جنَت مليارات الدولارات من القروض الممنوحة للدولة، إن كان عبر سندات دين اليورو بوند أو سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، أو حتى من خلال شهادات الايداع. هذه الارباح وزعت كأنصبة ربح عبر سنوات، راكمت منها المصارف أرباحاً جعلتها قادرة على توسيع أعمالها في المحيط العربي وحتى التركي.
حلقة الدين العام المقفلة التي تكلمنا عنها سابقاً ساهمت في زيادة هذه الأرباح، فكلما زادت نسبة الدين العام لأي دولة نسبة للناتج المحلي ارتفعت معها نسب الفائدة المطلوبة من الدائنين لشراء سندات الدين. المصارف اللبنانية ساهمت في تسهيل وشراء سندات الدين العام - هي لم تكن مجبرة كما يقال -، بل وفي كل اكتتاب قامت به الدولة اللبنانية. بالاضافة لذلك استثمرت هذه المصارف، وبكامل ارادتها، شهادات الإيداع لتحصيل أكبر قدر من الفوائد حتى عندما لم تكن الدولة تستدين.
اليوم، باستطاعتنا القول أن جميع المصارف، التي توصف بالمتوسطة والصغيرة، كانت تعمل كسمسار يأخذ الودائع من الافراد والمؤسسات بسعر فائدة محدد لتستثمر كامل الأموال في السندات الحكومية، وتحقق هامش ربحي وبكل سهولة. هذه المصارف كانت البكتيريا التي تعتاش على الدين العام ونموه.
لقد استغل حاكم المصرف المركزي عدم وضوح القوانين، وخاصة قانون النقد والتسليف وملحقاته لتصبح السياسة النقدية أداة مطاطية بيده يستعملها كما يحلو له. هذه الاوركسترا أو السمفونية التي كان يقودها المايسترو، حاكم المركزي.
السؤال الكبير المطروح الآن: هل التدقيق الجنائي سوف يؤدي إلى كشف حقيقة التلاعب بالمال العام وكشف فضيحة تبخر الودائع؟ الجواب مبهم وصعب لكنني سوف أحاول تفصيله ببعض السطور.
رمادية قانون النقد والتسليف والصلاحيات المتعلقة المعطاة للحاكم تجعل الحكم على أعمال المصرف خلال الثلاثين سنة الماضية صعب. فعلى سبيل المثال، هل يستطيع أحد الإجابة على سؤال الهندسات المالية في كونها مخالفة للقانون؟ هي طبعاً مخالفة لجميع القوانين الاخلاقية. إذ كيف يتم توزيع أرباح غير مستحقة للمصارف من المال العام دون مقابل، هذا عمل لاأخلاقي. لكنه للأسف لا يقع ضمن دائرة مخالفة القانون. إن هذه القوانين الرمادية لا تمنع الحاكم من فعل ذلك كونه قام بذلك من ضمن صلاحياته في "الحفاظ على استقرار الليرة". السؤال الثاني، هل توزيع القروض المدعومة يميناً ويساراً ضمن استنسابية غير منطقية هو عمل قانوني؟ للاسف الجواب أيضاً أن ذلك ليس مخالفاً للقانون، بل إن القانون هو "الأعوج". نستطيع في هذا المقام طبعاً سرد المئات من الاسئلة والنقاش في المئات من الأعمال المشبوهة، ومتأكد أننا لن نصل إلى نتيجة. فجميع هذا الاعمال مخالفة للقوانين - أكاد أجزم - في كل بلدان العالم. ولكننا للأسف في لبنان قمنا بصياغة قوانين مجتزئة وقابلة للتأويل عن سابق إصرار وتصميم.
قد يحصل التدقيق الجنائي، وقد يصدر التقرير ربما مع إدانات معنوية غير قابلة للصرف. لكن، من يظن أن ما قامت به المصارف منفردة أو بالتنسيق مع مصرف لبنان مخالف "لنص القانون المكتوب"، فهو جاهل بطبيعة عمل المنظومة المصرفية اللبنانية. لو كان لنا قوانين عصرية تحكم العمل المصرفي العام والخاص لكنا شهدنا جميع هؤلاء بالسجون. لكن للاسف، لن يدخل أحد السجن وسوف نبقى أسرى السجن الطائفي التسووي الكبير المسمى الجمهورية اللبنانية.
"
Related Posts
كاتب وباحث اقتصادي لبناني